معظم البرازيليين لا يريدون ذلك. والرعاة الرئيسيون فروا بسببه. حتى اللاعبون رفضوا الفكرة. لكن سواء أكانت مستعدة أم لا، فإن دورة «كوبا أميركا»، أحد أهم الأحداث الرياضية في أميركا اللاتينية، قادمة إلى المدينة.
ستبدأ البطولة الدولية لكرة القدم، التي منحها الرئيس «جايير بولسونارو» الضوء الأخضر في أواخر الشهر الماضي، يوم الأحد في البرازيل على خلفية من الجدل والخوف.
إن موجة ثالثة من فيروس كورونا الذي لا يزال يقتل ما يقرب من ألفي برازيلي في المتوسط يومياً، تلوح في الأفق القريب. وقد أدى قرار استضافة حدث رياضي دولي في مثل هذه اللحظة إلى انقسام هذا البلد المهووس بكرة القدم، مما زاد من تأجيج الخلافات السياسية وسط كارثة إنسانية مستمرة أودت بحياة ما يقرب من نصف مليون برازيلي.
وقد وصف مذيع رياضي بارز قرار بولسونارو باستضافة البطولة بأنه «صفعة في وجه البرازيليين». ووصف عضو في مجلس الشيوخ البرازيلي يقود تحقيقاً في استجابة بولسونارو للوباء، البطولةَ بأنها «بطولة الموت». وكتب لاعبو المنتخب البرازيلي رسالةً قالوا فيها إنهم «أصيبوا بخيبة أمل» في «كوبا أميركا». وأظهرت استطلاعات الرأي أن أكثر من 60% من البرازيليين يعارضون استضافة البطولة، بينما يحذّر العلماء من أن البرازيل تتأرجح مرة أخرى على حافة الهاوية ولا يمكنها تحمل تجاهل إشارات التحذير.
قال «دومينجوس ألفيس»، مدير مختبر الاستخبارات الصحية في جامعة ساو باولو: «لدينا أكثر من 70.000 حالة يومياً. لقد دخلنا بالفعل في الموجة الثالثة». وأضاف: «من السخف أن نقيم (كوبا أميركا) في البرازيل وسط الوضع الوبائي الذي نمر به».
لكن بولسونارو، الذي قلص من أهمية الفيروس التاجي، له رأي آخر. يقول الرئيس القومي: إن الوقت قد حان لأن تعود البرازيل إلى العمل كالمعتاد. وبينما تراجعت كولومبيا والأرجنتين عن التزاماتهما باستضافة البطولة، بسبب مخاوف من فيروس كورونا، فإنه يمضي قدماً. وقال في وقت سابق هذا الشهر: «ستقام بطولة كأس كوبا أميركا في البرازيل. منذ البداية كنت أقول فيما يتعلق بالوباء: أشعر بالأسف لحدوث وفيات، لكن علينا أن نعيش».
في بلد تختلط فيه السياسة وكرة القدم منذ فترة طويلة، يرى المحللون يأساً سياسياً في قرار بولسونارو المفاجئ. في الأسابيع الأخيرة، استغرقت البلاد في تحقيق الكونجرس في سلوك إدارته أثناء جائحة فيروس كورونا، وقدم العديد من الشهود شهادات مدمرة للغاية، توضح بالتفصيل إخفاق إدارته في شراء اللقاحات والتزامها الخيالي بعقار هيدروكسي كلوركين المضاد للملاريا، بعد فترة طويلة من إثبات عدم فعاليته ضد الفيروس.
تراجعت نسبة تأييد بولسونارو إلى 24%، وفقاً لشركة استطلاعات الرأي «داتافولها»، وهي أدنى نسبة يحصل عليها أثناء رئاسته. ويأتي القومي اليميني الذي فاز بالرئاسة من خلال حملته ضد الفساد والجريمة، بعد الرئيس السابق «لويس إيناسيو لولا دا سيلفا» في استطلاعات الرأي المبكرة قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل.
وهناك اعتقاد واسع النطاق أنه رأى فرصة لتغيير الرواية -والتقارير الإخبارية اليومية المدمرة لشهادة الكونجرس- من خلال تقديم الشيء الوحيد الذي يتابعه معظم الناس هنا عن كثب أكثر من السياسة، أي كرة القدم.
وقال «ألكسندر بانديرا»، الخبير الاستراتيجي السياسي في العاصمة برازيليا: «لقد احتاج إلى التشويش على المعلومات الواردة والتي تؤكد لكل من لديه أي شك ما كانت تقوم به إدارته خلال الوباء. إنها محاولة لإثبات أن البرازيل قد تغلبت على الوباء، حتى ولو كانت الأرقام تقول عكس ذلك.
في الواقع، هذا ما يحدث بالفعل. فمتوسط عدد الوفيات اليومية آخذ في الارتفاع مرة أخرى. وتم تطعيم 11% فقط من السكان بشكل كامل، حيث كانت حملة التلقيح غارقة بشكل متكرر في حالات التأخير ونقص الإمدادات.
وقالت مؤسسة الأبحاث البرازيلية «فيوكروز» في تقرير لها هذا الأسبوع: «الوضع العام بلا شك هو جائحة لا يمكن السيطرة عليها».
ومن جانبها، دافعت الحكومة عن قرارها باستضافة البطولة بالقول إن وفود الفرق ستقتصر على 65 شخصاً، وسيتم عزل اللاعبين والمدربين واختبارهم بشكل متكرر، وستكون الملاعب خالية. ووصف أنصار بولسونارو الانتقادات بأنها رد فعل مبالغ فيه، قائلين إن هذه البطولة ستكون مماثلةً للأحداث الرياضية الأخرى التي أقامتها البلاد خلال الوباء.
لكن العلماء يقولون إن الأحداث الرياضية ليست هي الأكثر خطورة. إنها الحشود التي يخشى الكثيرون من تشكيلها بالتأكيد. ويحذر خبراء الصحة العامة من أن البلاد يجب أن تأخذ الفيروس على محمل الجد إذا كانت لا تريد الانزلاق مرة أخرى إلى تلك الهاوية.
*رئيس مكتب «واشنطن بوست» في ريو دي جانيرو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»